ما معنى كلمة «كم»؟
الكم، هو مصطلح فيزيائي يستخدم لوصف أصغر كمية يمكن تقسيم بعض الصفات الطبيعية إليها. فلو أخذنا مثال الطاقة، وقلنا إن الطاقة تنتقل في هيئة كمية، فنحن نعني أن الطاقة تنتقل في صورة وحدات صغيرة لا يوجد ما هو أقل منها، وبالتالي فإن أية كمية طاقة هي عبارة عن مضاعفات لهذه الوحدة في صورة أعداد صحيحة (نضرب الوحدة في أعداد صحيحة دون كسور).
وإذا كانت الطاقة التي تنتقل في الذرة أو بين الذرات هي وحدة كمية، فالشحنات الكهربائية هي ـ أيضًا ـ وحدات كمية؛ وذلك لوجود وحدة كهربائية معينة لا يمكن تقسيمها، ولا يوجد ما هو أقل منها، وهي شحنة الإليكترون. تجدر ـ هنا ـ الإشارة إلى أن هذا الأمر لا يطبق فقط على الوحدات المقاسة بطريقة قياسية، لكن أيضًا على الكميات المتجهة؛ فاتجاه المجال المغناطيسي لـ«الإليكترونات أو البروتونات» هي ذات صفة كمية، فالإليكترونات والبروتونات، إما أن تلف في حركة «مغزلية»، في اتجاه عقارب الساعة، أو عكس اتجاه عقارب الساعة.
وقد نشأت ميكانيكا الكم بشكل تدريجي؛ كنتيجة لحل «ماكس بلانك»، في عام 1900، لمشكلة إشعاع «الجسم الأسود»، ولحله أيضًا لورقة «ألبرت آينشتاين»، عام 1905، والتي عرض من خلالها نظرية قائمة على فكرة الكم لشرح ظاهرة التأثير «الكهروضوئي». وقد ظهرت المبادئ الأساسية لنظرية الكم في فترة منتصف العشرينات من القرن العشرين.
ففي عام 1900، اكتشف العالم الألماني ماكس بلانك الظاهرة الكمية، عندما كان يقوم بدراسة «الإشعاع الحراري للثقب الأسود». فقد تبين له أن الجسم الأسود، لا يمتص، أو يصدر، أية أشعة حرارية في جميع الترددات بالشكل المعتاد، لكن الجسم الأسود يمتص الأشعة الحرارية، ويصدرها بكميات معينة (وحدات كمية). وقد لاحظ بلانك أن الطاقة تزداد بأعداد صحيحة (1hν, 2hν, 3hν,….)، حيث «h» تمثل ثابت بلانك، و«ν» تمثل قيمة التردد. وبالتالي فإن طاقة الجسم الأسود تنتقل بكمات معينة لا يوجد ما هو أصغر منها.
في عام 1905، اضطر العالم الفيزيائي الشهير ألبرت أينشتاين، عند دراسته عملية إثارة إليكترونات الذرة بواسطة الأشعة الضوئية، إلى استخدام تعبير «كم ضوئي»، فقد وجد أن الذرة تثار عند امتصاصها لكمية معينة من ضوء ذي ترددات معينة، وقد أطلق على هذه الكمات من الطاقة مصطلح «فوتونات».
لاحظ هنا أن فكرة الفوتونات نشأت للتعبير عن طاقة، وبالتالي عن موجات كهرومغناطيسية، لكن بعد دراسة ظاهرة التأثير الكهروضوئي، بدأ العلماء يتعاملون معها كجسيم، وطاقة ضوئية في نفس الوقت، ليظهر هنا مفهوم الطبيعة المزدوجة، ويكتشف العلماء لاحقًا أن الجسيمات الذرية، مثل الإليكترونات، لها طبيعة مزدوجة.
بدأ العلماء ينظرون بشكل مختلف تمامًا للذرات والجزيئات والجسيمات ما دون الذرية؛ فقد اتضح أن الطبيعة تسلك، في هذه الجسيمات، مسلكًا غير الذي اعتدناه، فيما يتعلق بالأحجام الكبيرة العادية حولنا؛ ففي الأجسام الكبيرة يمكن أن تكتسب طاقة بكميات غير محددة، مثل اكتساب المياه لطاقة حرارية؛ كي تصل إلى «مرحلة الغليان»، هنا يكون اكتساب الطاقة مستمرًا، وبدون كمات محددة، لكن في الجسيمات الذرية، وما دون الذرية، فإن الطاقة تزداد أو تنقص بكمات ثابتة يتحكم بها ثابت طبيعي، يسمى ثابت بلانك.
الإليكترونات والطبيعة المزدوجة
وتعتبر الإليكترونات واحدة من أشهر الجسيمات التي تعمل طبقًا لقوانين ميكانيكا الكم. التصور الطبيعي السابق للإلكترون هو أنه جسيم مادي محدد الشكل، يتحرك طبقًا لقوانين الفيزياء والميكانيكا الكلاسيكية. وبالتالي فإنه يمكننا أن نتنبأ بمكان وجوده، واتجاه حركته، ومقدار سرعته، مثله في ذلك مثل السيارة، وذلك إذا ما عرفنا موقعه الحالي، وسرعته، واتجاهه.
لكن الإليكترون يسلك مسلكًا مختلفًا تمامًا عن هذا. فلو أطلقنا سيلًا من الإلكترونات نحو حاجز به ثقب وحيد، وخلف لوح حساس يتفاعل مع الإليكترونات، فسنلاحظ أن اللوح الحساس سيضيء في مكان محدد تمامً يقع خلف الثقب، لكن لو استبدلنا بالحاجز آخر يحتوي على ثقبين متجاورين، فسنلاحظ أمرًا غير مألوف، بدلًا من أن تظهر لنا بقعتان ضوئيتان على اللوح الحساس خلف كل ثقب، سنلاحظ أن اللوح الحساس سوف يعطينا درجات من الإضاءة القوية وأخرى ضعيفة، فيما يعرف بـ«ظاهرة التداخل».
المشكلة التي صدمت العلماء ـ هنا ـ أن ظاهرة التداخل هي خاصية مميزة للموجات، وليس للجسيمات المادية، وبالتالي فإن الإليكترونات في هذه الحالة قد سلكت سلوك الموجات، وليس سلوك الجسيمات. الموضوع الأكثر إذهالًا، هو أنه إذا قمنا بإطلاق إليكترون واحد فقط باتجاه الحاجز ذي الثقبين، فستحدث نفس الظاهرة، وهو ما يعني أن الإليكترون الواحد قد مر عبر الثقبين. هذا الأمر يعني ـ بما لا يدع مجالًا للشك ـ أن هذا الإليكترون تحول إلى موجة.
العلماء كانون يعتقدون أن الضوء موجة، فاكتشفوا أن له خواص الجسيمات، وهو ما ظهر عبر الظاهرة الكهروضوئية. وكان العلماء يعتقدون أن الإليكترونات هي أجسام مادية، فظهرت لهم خواصها الموجية في ظاهرة التداخل.