الحياة الإسلامية في المغرب وإفريقية
أ.د عبد الحليم عويس
مع قيام الدولة العباسية سنة (132هـ)، انفصلت عن دولة الخلافة الكبرى - من الناحية السياسية - بعض الأقاليم، ولا سيما البعيدة منها، وكان المغرب العربي وإفريقية الإسلامية والأندلس أبرزَ المناطق التي انفصلت، ولم ينظر قط إلى هذه الدول إلا على أنها دول مستقلة عسكريًّا وسياسيًّا، أما العقيدة والشريعة والقِيم، فواحدة، وكانت كلها تنتسب إلى الإسلام وتحمل رايته، وقد كان الأغالبة (184- 296هـ) يرتبطون بالخلافة العباسية، ويحكمون باسمها، وعاصمتهم القيروان أصبحتْ من أشهر العواصم الإسلامية نشرًا للثقافة الإسلامية، وعن طريق قوتِهم البحرية الهائلة قاموا بغزو مالطة والسواحل الإيطالية الجنوبية، وقد نجحوا في عهد زيادة الله الأغلبي في الاستيلاء على صقلية، بقيادة القائد الفقيه القاضي أسد بن الفرات (212هـ)[1].
أما الأدارسة، فقد استقلوا في المغرب الأقصى، وكانت عاصمتهم (فاس)، وقد حكموا نحو قرنين من الزمان (172 - 363هـ).
وفي المغرب الأوسط (الجزائر) قامت دولة بني رستم على يد مؤسسها عبدالرحمن بن رستم، الذي كان مولى لعثمان بن عفان - رضي الله عنه - وهو منشئ مدينة تاهرت (العاصمة)، وكان يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويشارك الناس في أعمال البناء للمساجد ولبيوتهم بيده، ومع أنه كان خارجي المذهب إلا أنه كان - ودولته - ملتزمًا بالشريعة في حدود المذهب الإباضي، وقد عاشت الدولة أكثر من قرن ونصف (144 - 296هـ)[2]، حتى قضى عليها الشيعة الفاطميون، وقد ازدهر المغرب الأوسط على عهد الرستميين، وأصبحت تاهرت مدينة علمية وثقافية حافلة بالأجناس من شتى أنحاء العالم الإسلامي[3]، وكانت الدولة على علاقة طيبة بالأمويين في الأندلس، وقد عملوا على نشر الإسلام في داخل إفريقية[4].
وكانت دولة بني مدرار (واسول) في سِجِلْماسة تشبه أن تكون جناحًا خارجيًّا لبني رستم، وكانت مثلها في الاعتدال والالتزام بالإسلام، وكانت عاصمتها سِجِلْماسة[5]، وعاشت أكثر من قرنين (140 - 349هـ)، وكانوا لا يبيحون دم مسلم إلا بحقه، ولا يميلون إلى تكفير أحد من المسلمين[6]، وقد تعاونوا مع بني رستم في أمورٍ كثيرة نافعة حتى قضى عليهم الشيعة.
فهكذا ارتبطت هذه الدولة بالإسلام وشريعته وحضارته، وجاهدتْ في سبيله على الرغم من استقلالها السياسي.
[1] ابن عذاري: البيان المغرب 1/102، بتحقيق: كولان وبروفنسال - بيروت.
[2] المصدر السابق 1/196.
[3] أحمد مختار العبادي: في تاريخ المغرب والأندلس، ص: 188، طبع الإسكندرية.
[4] المرجع السابق.
[5] ابن عذاري: البيان المغرب 1/156.
[6] أحمد مختار العبادي: في تاريخ المغرب والأندلس، ص: 188، 189.
رابط الموضوع:
http://www.alukah.net/culture/0/75572/#ixzz4iRPV0Uve