جواز استعمال المضارع مع "كلما"...
...........................................
القاعدة تقول إن فعل الشرط وجواب الشرط مع "كلما" لا بد أن يكونا ماضيين لكن في العربية شواهد من الشعر القديم (يمكنكم البحث عنها بأنفسكم) وإشارات هنا وهناك في مصادر النحو تقول إن مجيء المضارع معها جائز، وإن كان الماضي أفصح وأكثر شيوعا.
وقد ذكر (سيبويه) شاهدا لهذه الحالة في "الكتاب" وهو "كلما تأتيني آتيك" (ج 3، ص 102). ومهما قيل عن تأويل المضارع هنا فسيظل جواز مجيء المضارع جوابا للشرط مع "كلما" (بل وفعل شرط أيضا) في هذا الشاهد صريحا.
وعند (أبي حيان الأندلسي) في "تفسير البحر المحيط" إشارة لطيفة تؤكد هذا إذ يقول في تفسيره للآية الكريمة "يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه..." (البقرة: 20): "وغالب ما تُوصَل به "ما" هذه [يقصد "ما" في "كلما"] الفعل الماضي" (ج 1، ص 228). ولو لاحظنا، فقوله "غالب ما تُوصَل به" لا يعني أن هذه هي الحال الوحيدة، وإن كانت الأكثر شيوعا أو الأفصح.
ومع ذلك، فللأمانة العلمية، وجدتُ أن (أبا حيان الأندلسي) يقول عكس ذلك تماما في كتابه "ارتشاف الضرب" إذا يصرّح: "وأقول: المستقر من لسان العرب أن (كلما) هذه التي تقتضي التكرار لا يليها إلا فعل ماضي اللفظ والعامل فيها متأخر فعل ماضٍ أيضا ومن ادّعى غير هذا من التركيب يحتاج إلى أن يستدل بسماع من العرب" (ج 4، ص 1890) ثم يمضي في كلامه فيؤول شاهدا شعريا جاء فيه المضارع بعد "كلما".
إضافة لطيفة:
إن القاعدة المستقرة في اللغة ومفهوم "قرون الاحتجاج" هي النقل والاستقراء. ولو راجعنا ما كتبه (سيبويه) حتى في هذه المسألة في "الكتاب" لوجدنا أنه نفسه كان ينقل عن (الخليل) فكان يقول وسألته عن كذا فقال كذا. ولكلام (أبي حيان الأندلسي) الذي تداولناه هنا إضافة أو تقييد لطيف للاستقراء في زمانهم وهو المعاصرة وقد عبّر عنها بقوله "السماع من العرب".