قصتُنا مع الفُرسِ كاملةً!
يُعاني مجوس الفرس منذ ألف وأربعمائة سنة من عُقدة نفسيّة مؤلمةٍ هي "المجدُ التليد "!
إذْ إنّ العالم القديم كان مقتَسماً بين دولتين عُظمييـن، وقوتين قاهرتين، هما: الروم والفرس !
الروم كانت ديانتهم هي النصرانيّة (المُحرّفة) وينبسط نفوذهم على جنوب المتوسط وبلاد الشام وتركيا، فيما كانت عاصمتهم هي القسطنطينيّة، ويُلقب حاكمهم - كما في لغتهم - بمُسمى "قيصر "!
هذه القوة الروميّة الحمراء في الغرب كانت تقابلها قوةٌ ناريّة صفراء في الشرق، وهم: الفُرس !
دولةُ فارس كانت تدين لإلهٍ هو في الأصل عدوٌ لكل البشر، وأعني بهذا الإله الفارسي: النار! وقد كان مسمى هذه العبادة هو "المجوسيّة ".
أما عن نفوذها السياسي فإنه كان ينبسط على أراضي إيران (اليوم)، والعراق، وشرق الخليج، وبعض غربه، واليمن. وقد كانت عاصمة مملكتهم هي "المدائن"، ومليكهم يُطلق عليه في لغتهم اسم "كسرى" (من الموافقات اللفظية بأن اسم إيران لو عكسته سيكون: ناريّا) ! علائقنا نحن العرب مع هذه الأمة الناريّة (الفرس) غير جيدة منذ الجاهلية وقبل الإسلام !
إذْ إنّ النفسيّة المجوسيّة ترى في نفسها أشرفَ الكائنات، وأعرقَ الموجودات ؛ ولذا عَبدت – حسب تفكيرهم الهزيل – النار؛ لأنها بزعمهم: أقوى الكائنات !
وبناءً على هذا التفكير السطحي، والنفسيّة الاستعلائية فإنّ كسرى قد مات كمَداً وقهراً حين هزمَ العربُ جيشه في معركة "ذي قار" ! فتولى من بعده الكسروية ابنُه (شيرويه) !
وعن هذه المعركة فقد قيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال حين بلغه نصرُ العرب فيها على الفرس: "هذا أول يوم انتصف فيه العرب من العجم، وبي نصروا "!
أمّا عن سبب هذه المعركة فهو مما يؤكد نظرية الاستعلاء الفارسي على العرب … فعودوا للتاريخ فعنده السبب !
لم يكن حال هذه العلائق بين الفرس والعرب بأفضل حال مع العهد الجديد (الإسلامي) !
إذْ تنبئنا كُتب السيرة النبوية أن أسوأ وأوقح ردٍّ أتى من ملوك الأرض على مكاتبات الرسول – عليه الصلاة والسلام – إليهم ودعايته لهم في دخول الإسلام إنّما هو قد جاء من قِبَل ملك الفرس (كسرى) !
فقد قام كسرى بتمزيق كتاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ودعْسِه بقدميه ؛ وذاك حينما استمع لأول الخطاب يذكر اسم نبي الرحمة – صلى الله عليه وسلم – قبل اسمه! فغضب حينها وقام من فوره بتمزيق الكتاب وقال: عبدٌ حقير من رعيتي يذكر اسمه قبل اسمي !!
ثم إنّه قد بالغ في الاستعلاء الفارسي؛ فأمر عامله على اليمن (باذان) أن يبعث برجلين شديدين إلى المدينة ليحملا له "ابن عبدالمطلب" صلى الله عليه وسلم !
وفي المقابل فإن الرسول – عليه الصلاة والسلام – لم يدعُ على أحد من ملوك الأرض الذين قد راسلهم واختلفت أساليبهم في الرد عليه بين مُتلطفٍ ومتوقف إلا كسرى؛ إذ قال لما بلغه ما فعل: "مزّق الله مُلكه"!!
ولما أن جاءه الرجلان الشديدان - كما أمر كسرى - أخبرهما الرسول بعد أن حبسهما عنده إلى الغد أن كسرى قد قتله ابنه!! فكان هذا الإخبار منه صلى الله عليه وسلم سبباً في إسلام (باذان) ومن معه من الفرس في اليمن !
قليلٌ بعد هذا مضى ومملكة الفُرس تُكتسح وتُستباح بأكملها في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطّاب – رضي الله عنه – ويُبعثُ بكنوزها من "المدائن" إلى "المدينة" ؛ لتسقط دولةُ الألف عام في عقد زمان !
ولعل هذا يُفسر للجميع سبب هذا الحقد الأسود في قلوب الفُرس على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتولاه؛ إذْ إنهم يرونه قد أسقطَ حضارتَهم ودمّر مملكتهم !
عُرف عن عمر بن الخطّاب – رضي الله عنه – عبقريته الفذة وإلهامه الشديد وفراسته العميقة ؛ ولذا قال عنه الرسول – عليه الصلاة والسلام – ".. ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربا فلم أر عبقريا يفري فريه حتى روى الناس وضربوا بعطن" رواه مسلم .
تجلىّ إلهام عمر بن الخطّاب – رضي الله عنه – في حياة الرسول – عليه الصلاة والسلام – عندما جاءت موافقاتُ الوحي لكثيرٍ من أقواله واقتراحاته !
وتجلّى أيضاً بعد وفاة الرسول – عليه الصلاة والسلام – في كثيرٍ من الأمور، ومنها ما يختص بموضوعنا هذا ؛ وهو قوله عن فارس: "وددتُ لو أنّ بيننا وبين فارس جبلاً من نار لا يصلون إلينا ولا نصل إليهم "!!
بل، ويتجلى حتى بعد موته؛ إذْ إنّ قاتله كان فارسياً مجوسياً … فأيّ رجلٍ كنتَ يا عُمر !!
بقيَ الفُرسُ بعد ذلك يستروحون ريحَ فارسٍ من أيّ مكانٍ هبّت! ولذا فمن الطبيعي أن يكون الصحابي الجليل سيدنا سلمان (الفارسي) هو أحد الخمسة الذين لم يرتدوا عندهم من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - !
ومن المنطقي جداً أن تكون سلالة الأئمة (الإثنا عشريّة) منحدرةً من صُلب زين العابدين (علي بن الحسين) فقط ؛ إذْ إن جدّه لأمه – رضي الله عنه – هو كسرى ملكُ الفُرس !!
من يتتبع تاريخ الدولة الإسلامية سيلحظ أن كل شعوب الإسلام قد خرّجت لنا قادة حملوا بأمانة واقتدار لواء الإسلام ورايته ؛ فصرنا بهم نُفاخر الدنيا، ونُباهِجُ الكون، فنجد من هذا: طارق بن زياد (البربري)، ونور الدين زنكي (التركماني)، وصلاح الدين أيوب (الكردي)، ومحمد الفاتح (التركي) !
في حين أنّا نجد العنصر الفارسي هو أقلّ شعوب الإسلام مظاهرةً له وحظاً معه؛ بل نجدُ بأنّ أحطّ فترات الدولة الإسلاميّة قد كانت حينما يُشاركُ أو يُديرُ هؤلاء الفرس شؤونها أو بعض شؤونها !
وعموماً، فقد عاود نجمُ "فارسٍ" في الإضاءة المخفيّة منذ سقوط دولة بني أمية وقيام مُلك بني العبّاس؛ إذْ أنّ الفُرس كانوا أسرع شعوب الأرض إلى الشغب والمُشاركة فيه، وكان رجالاتهم - وفي مقدمتهم أبي مسلم الخراساني - أشدّ الناس بأساً في إذابةِ الحكم الأموي وتغييبه مع رجالاته !
وغابت بغياب شمس بني أمية الأسماءُ العربية في الحُكم والأحداث؛ لتُمطرنا بعد ذلك صُحف التاريخ بأسماء وأنسابٍ فارسية كان لها أدوار كبيرة وخطيرة في تحولات السياسة والاجتماع !
فمن آل برمك الغامضين، إلى بني بويه الوزراء، في سلسلة تتقطع حتى تصل إلى "ابن العلقمي" الذي صنعَ سقوط بغداد بكل اقتدارٍ منه، واحتقارٍ منّا .
من طريف الأمر أن دولة بني العبّاس قد بدأت بفُرس وانتهت بفُرس … فيا لله وتصاريف قَدَره !!
الدولةُ العثمانية بدورها لم تنجُ من المِخلب الفارسي؛ إذ كان من أسباب توقف فتوحاتها الباهرة في أوربا غرباً هم الفرس شرقاً .
فقد كانت الدولة الصفوية في إيران تطعن ظهر الدولة العثمانية كلما اتجهت فتحاً إلى الغرب، فما كان من السلطان "سليم الأول" إلاّ أن يوقف فتوحاته وفتوحات آبائه في أوربا؛ ليتجه إلى تأديب الدولة الصفوية في العراق، وقد كان النصر حليفه ومؤاخيه؛ إذ هزَمَ جُندَ الفرس الصفوية في معركة جالديران، وسبى فوق هذا زوجة ملكهم الحقود "الشاه إسماعيل الصفوي "!
هذا وقد كانت الدولة الصفوية أحد الأسباب الهامة في رغبة العثمانيين لضم البلاد العربية إلى حكمهم ؛ صيانةً للعرب في ذلك وحمايةً من أخطار المد الصفوي الرافضي !
واستمرت هذه العقدة النفسيّة من الريادة العربية والزعامة السنيّة على المشرق في قلوب أوغاد الفرس المجوس إلى عصرنا الحديث؛ إذْ نجد شاه إيران (الشاه محمد رضا بهلوي) لا ينسى تاريخ أجداده الساسانيين؛ فيأمر بالاستعداد لاحتفالات مرور ثلاث آلاف سنة على نشأة مملكة ساسان! ثم يُعلن عن نفسه شرطياً للخليج! فيما تبْقى آلةُ إعلامه تُصر على تسمية الخليج العربي باسم (الخليج الفارسي)، بينما لا يزال المجتمع الفارسي إلى يومنا هذا يحتفل بأعياد الفُرس القديمة؛ وفي مقدمتها عيد "النيروز" المجوسي !!
سقط كسرى الزمان (الشاه رضا بهلوي) على يد موبذان الزمان (الخميني) ! ولم يجد "كسرى" عصرنا من دولة تتقبله غير مصر؛ فضمه الساداتُ واحتضنَ أموالَه !!
مصر في العقيدة النمطية عند الفرس غير مُحبذة؛ إذْ إنّ بعض النصوص العقدية لدى هؤلاء المجوس تَسِمُ مِصراً بشر؛ كما وأنّ (مؤخراً) استقبالها للشاه محمد رضا بهلوي قد زاد من تحسس الناريين من الكِنانيين !
ولذا، فإن مِخلَبَ الفرس في لبنان (حسن نصر الله) قد ترك إسرائيل في خطاباته القديمة ليتوجه بالشتائم إلى مصر، ثم الآن إلى السعودية التي أكلت كبده في اليمن وسوريا !
إنّ المُتابع للغمغمةِ غير الواضحة لتصريحات الفرس ومن تبعهم من "مناذرة" العرب في لبنان من جهة، وللتناقض الفاضح لما يجري على أرض أفعالهم من جهة أخرى؛ ليتلمس أن القوم يريدون أن يقولوا شيئاً ولا يستطيعونه !
فالتصاريح والنداءات النارية من قِبَل هؤلاء المجوس تمضي على محورين:
الأول: إلى الحكومات العربية بوصفها متخاذلة – وهي كذلك فعلاً – ومتآمرة وغير جديرة بالقيادة، ولا قديرة على الدفاع
الآخر: إلى الشعوب ويسير على وجهتين:
أ) سياسي: ويطالبها بلحنٍ خَفي أن تُسلِّم فارِساً قيادَها ؛ لأنّها الأقدر على حماية العرب من الروم !
ب) ديني: ويدب دبيباً في المجتمع العربي، وغرضه هو نشر المذهب الشيعي في المجتمع السني باستخدام العديد من الطرق المختلفة والمتنوعة !
إلاّ أنّ المواطن العربي البسيط - خاصةً بعد أحداث لبنان والعراق وسوريا واليمن - لا يتسع معه إلا ترديد المثل الشعبي المصري: "أسمع قولك أُصدقك، أرى فعلك أتعجب "!
فمثلاً حسن نصر الله (رُستُم لبنان) كان يقول عن أمريكا أنها الشيطان الأكبر والعدو الأول، فيأتيه في الماضي القريب غير البعيد: التصديقُ والتصفيق !
إلاّ أنه ينكث بمن صفّقَ له وصدّق به ؛ ليقول عن المقاومة العراقية لأمريكا في أرض السواد أنها "صدّامية بعثية "!!
ثم يُنسى منه هذا ليفجأ منه ذاك؛ إذْ إن "السيّد" قد رصّ الصفوف في الجنوب ؛ لكنّه يتجه بها إلى الشمال (بيروت)، ثم بعد ذلك يصر على بقاء لبنان دون رئيس منطلقًا بميليشياته إلى دمشق !
ثم يُتناسى كل هذا منه؛ لنراه (اليوم) يشتم مُحادّةَ جنوبِ إسرائيل (مصر) ولا يفعل شيئاً في شمالها (هو نفسه) !
ثم نعقد العزم على عدم سماعه ولا رؤيته؛ لنذهب للقراءة والإطلاع على مذكرات شارون؛ علّنا نجد من عدونا خبرَ "حليفنا" – فنفاجأ بأنه يمتدح الشيعة وأنه لم يرَ منهم خطراً يتهدد أمنَ إسرائيل أبدَ الدهـر !!
بدوره يقول كسرى الجمهورية (أحمدي نجادي) أنه سيُحرق دولة إسرائيل بصواريخه، في المقابل يُعلن سياسيو دولته بأنه لولا إيران وتسهيلات إيران لما احتلت أمريكا أفغانستان والعراق !
والخلاصة؛ أنّ المجوس لا يقولون في إسرائيل إلاّ لنا !
بمعنى آخر: اجعلونا المتحدث الرسمي لكم بين الأمم يا عرب، وأسلِمونا قيادَكم تُغلَب الرومُ أدنى أرضكم !
إلاّ أني أتمنى على السادة الفُرس بعد كل هذا أن يوفروا أموالهم ويُصَدِقوا نبيّهم؛ إذْ إنهُ قال: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده" ! آيدن .
(منقول)