_معظَم العلماء والمبدعين في الحضارة العربيّة الإسلاميّة ليسوا عرَباً: أليسَ كذلكَ؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
مازن أكثم سليمان
لا شيء أسوأ من الآراء النَّمطيّة الشائعة بين الناس بلا بحث معرفي مُعمَّق، ولا سيما في ما يخصّ صورة الذات وجلدها إلى حُدود فقدان الاحترام لها ولتاريخها الوطني والقومي والإنساني حيث لا فاصل ولا تناقض بين هذِهِ العناصر . .
يتَّهِمُ كثيرونَ من أصحاب النَّزعة الشُّعوبيّة أو الاستشراقيّة المُتعالية أنَّ مُعظَمَ عُلماء الحضارة العربيّة الإسلاميّة هُم من غير العَرَب عرقيّاً، ظنّاً منهُم أنَّهُم يُسجِّلونَ بذلكَ مثلبةً تنتقِصُ من قيمة العَرَب، فمثلاً قد يقف البعض عندَ ما أوردَهُ "الأصفهانيّ" مثلاً في كتاب "الأغاني" أنَّ المُغنِّين العَرَب الثَّلاثة الأُوَّل في الحجاز في فترة صدر الإسلام هُم من أصول غير عربيّة (ابنُ سُريج تركيّ الأصل، والغَريض بربريّ، ومَعْبَد زُنجي)، وهُنا أتساءَلُ أليْسَ مُذهِلاً أنْ يدخُلَ أُناسٌ من أعراق غير عربيّة إلى عُمْق الجزيرة العربيّة في هذهِ الفترة المُبكِّرة من الإسلام ويكونوا روّاداً في فنّ الغناء؟ وفي الوقت نفسِهِ، أليْسَ لافِتاً ما تنقلُهُ المَصادِر التّاريخيّة عن ازدهار هذا الفنّ في الحجاز منذ صدر الإسلام؟
لعلَّ الرَّدّ على هذا التَّجنِّي والخطأ المعرفيّ مَنهجيّاً يقومُ على ثلاث نقاط أساسيّة، هيَ:
1_ إنَّ ما يعتقدُهُ البَعض _وذلكَ عن قصَر نظَر_ أنَّهُ ذمٌّ للعَرَب هوَ مديحٌ لا مَثيلَ لهُ يُؤكِّدُ التَّقليد التّاريخيّ الرّاسِخ للعُروبة بوصفِها انفتاحاً وتشارُكاً، وهذهِ نقطة تُسجَّل لصالح العَرَب لا ضدَّهُم، فهذهِ (التُّهمة) _إذا فرَضْنا صحَّتَها جدَلاً_ (أي إنَّ مُعظَم علماء الحضارة العربيّة الإسلاميّة ليسوا عَرَباً) تُؤكِّدُ كونيّة هذهِ الحضارة وإنسانيَّتِها ولامركزيتِها التَّعدُّديّة عبرَ مَنحِها للآخَر المُختلِف حُقوقَهُ الوجوديّة الكامِلة مثله مثل العربيّ الأصل، حتّى يبلُغَ حُدودَ الإبداع المُختلِفة، في ظلّ حضارة أعلَنَتْ منذ انبثاقِها أنَّهُ لا فرقَ بينَ عربيٍّ وأعجميٍّ إلّا بالتَّقوى، والنّاس سواسية كأسنان المشط.
2_ إنَّ مفهوم الوعاء الثَّقافيّ _ الحضاريّ يتجاوَزُ المَسألةَ العرقيّة بوصف علماء هذهِ الحضارة الذينَ كانوا من كُلّ الأعراق هم أبناء هذا الوعاء العربيّ (اللُّغويّ والإبداعيّ والفكريّ والعلميّ) الحاضِن، فنحنُ مثلاً لا نُعِدُّ "إدوارد سعيد" عربيّاً إلّا بالولادة، فهوَ مُفكِّر غربيّ بامتياز لكونِهِ ابن المُؤسَّسة الأكاديميّة الأمريكيّة، مع التَّأكيد الضَّروريّ في هذا السِّياق أنَّ (مَفهوم الهُوِيّة) أصلاً هوَ مَفهوم تراكُبيّ وتعدُّديّ وغير أحاديّ.
3_ لقد تتبَّعْتُ شخصيّاً عدداً من الدِّراسات _لا مَجال لذكرِها هُنا_ التي تُلاحِقُ بالمَعنى العرقيّ نسبة العَرَب من عُلماء الحضارة العربيّة الإسلاميّة ومُبدعيها، وقد تقاطَعَت هذهِ الدِّراسات على نحوٍ عريضٍ في إحصاء انتماء ما يُشكِّلُ نسبةً كُبرى من أعلام هذهِ الحضارة في المَجالات كافّة إلى العرق العربي، وهيَ نسبة لا تقلّ عن الثلث بوجهٍ عام، وقد تصل إلى النصف بينَ أعلام الصَّفّ الأوَّل في الحضارة العربية الإسلامية، وهُما نسبتان كبيرتان ولا سيما في ضوء تمازج وتداخُل عريض مع عشرات الشعوب والأعراق بعدَ الإسلام، وهوَ ما قد يكون موضوع مقالة قادمة.
وعلى الرّغم من أنَّني لا أفضِّل الانجرار خلفَ الرّدّ على أقاويلَ تقوم على فرضيّات تعميميّة مُتهافِتة، ولا أريد أن أسقُطَ في العرقيّة القوميّة الشّوفينيّة، لكنَّني لا أريد أيضاً أنْ أصمُتَ عن المقولات غير البريئة التي تنال من كينونتي الإنسانيّة قبل العروبيّة.
أخيراً: مُناسبة كُلّ هذا الكلام أحد الموتورين الذي استفزني صباحاً وهوَ يُردِّد كالببغاء: مُعظم علماء الحضارة العربيّة الإسلامية ليسوا عرَباً . . فقلتُ لهُ: عدِّد لي أمثلة . . طبعاً بعدَ أنْ عدَّد صُدِمَ بردودي المُوثَّقة، وأكتفي بذكر علَم عربي إسلامي كبير واحد هو: أبو الفرج الأصفهاني صاحب الموسوعة الإبداعية الكُبرى ليسَ على المُستوى العربي بل على مُستوى تاريخ العالم (كتاب الأغاني): طبعاً كما هو شائع عندَ معظم الناس قال لي: إنَّهُ فارسي ّمن أصفهان، وصُعِقَ عندما قلتُ لهُ: يا حبيبي أبو الفرج من سلالة مروان بن محمَّد آخر خلفاء بني أميّة، وهو عربي قرشي أموي، وولد في أصفهان . .
ألَمْ يحنْ الوقت لنعي ذواتنا خارج عقد النقص وخارج النرجسية المركزية المُتضخِّمة المريضة في الوقت نفسه: يعني يا طخّوا يا كسور مخّوا . . ؟!!
صباحكُم محبّة وأمَل وجَمال، وأعتذر عن الإطالة . .