دراسة نقدية لقصيدة: أنا للعشقِ دينا _ للشاعر د/ عبد الجواد عكاشة
http://www.alexandrie3009.com/vb/showthread.php?9837&goto=newpostبقلم: ثريا نبوي
*****************************************
نصُّ القصيدة
أنا للعشق دينا ...
قد سألت البدر يوما
يا نديم العاشقينا
هل عشقت القدس مثلي
حيفا , يافا و جنينا ؟
هل توسدت الرمال
تبكي شوقا و حنينا ؟
هل جراحك من جرا
حي؟ أم فؤادك لا يلينا ؟
فأجاب البدر , يبكي
يا إمام العاشقينا
قد عشقت الأرض مثلك
في كراي و اليقينا
من خيوطي قد نسجتُ
ثوب عزٍ لا يبينا
أكتم الآهات فيه
أكتم الجرح الدفينا
قلت : يا بدر كفاك
أنت مثلي , لن تكونَ
المنى فيها هامت
حتى أحلام اليقينا
و الرُّبى معنا تغني
و يغني العائدونا
لحن أشواقٍ تجلت
في فؤادي و العيونا
قد وقفت لها حارس
كي أصد المعتدينا
مع دمائي قد سكبتُ
عزم قلبٍ لا يلينا
في ثراها حتى أينع
كامن الحب جنونا
لا تقل لي أنت عاشق
فأنا للعشق دينا
************
*بدايةً: القصيدةُ جيَّاشةٌ بعاطفةٍ وطنيةٍ قويةٍ هادرة؛ وهل مِن وطنيٍّ يعشقُ القُدسَ ولا ينزِفُ جُرحُها مِن شرايينِهِ، وتبكي فيسَّاقطُ دمعُها حارًّا في فؤادِه، لِيُنشِدَها شعرًا قانيًا ويُغني للعَودةَ على ناياتِ الحنين؟! ويبقى الحُلْمُ لا سيَّافَ يقتُلُهُ!
*ما صحَّ وزنُهُ من سطورِ القصيدة مُطابقٌ لتفعيلاتِ بحرِ الرمل غيرَ أن النَّصَّ زاخرٌ بالاختلالاتِ العَروضية؛ وكأن الشاعرَ لم يكنْ ليهتَمَّ بالكتابةِ الموزونةِ وهو مُمْسِكٌ بِخيوطِها؛ أو: كأنَّ ما جاء صحيحًا وزنُهُ كان مَحضَ مُصادفة! فما كان على وزن: فاعِلاتُن أو فَعِلَاتُن؛ صاغَتْهُ السليقةُ دون قصد وهما احتمالانِ أحلاهُما مُرّ:
فالأول: معناهُ عدمُ الاعتناءِ بضبطِ الأوزان رغم العِلمِ بها؛ وهو ما يقعُ فيه كبارُ الشعراءِ آنَ يكتبونَ ولا يُراجعون
والثاني: معناهُ أننا أمام موهبةٍ جَليَّةٍ لم يُلقِ صاحبُها بالًا إلى صَقْلِها إعمالًا أو امتِثالًا لقولِ الشاعر:
ولمْ أرَ مِن عيوبِ النّاسِ عَيْبًا // كنقصِ القادرينَ على التَّمامِ
*شدَّني العنوانُ (أنا للعِشقِ دِينا) فقد بدأ بخطأِ نحوٍ لافتٍ؛ فكلمة (دِينا) حقُّها الرفعُ لأنها خبرٌ مؤخَّر؛ فكان المفروض أن يكون( أنا للعِشقِ دينٌ) ويبدو أنّ شاعرَنا الثائرَ كان مُتأثِّرًا ببيتِ شوقي الشهير:
ظهرَ الثعلبُ يومًا في ثيابِ الواعظينا**مُخطئٌ مَنْ ظنَّ يومًا أنَّ للثعلبِ دِينا
ورُبَما كانا بيتينِ مُتتاليينِ لا شَطرينِ؛ لا أتذكَّرُ بِناءَ القصيدة في الشوقيّات. ولو تأنَّى شاعرُنا لأدركَ أنّ كلمة (دينا) في شعر شوقي منصوبةٌ باعتبارِها اسم أنَّ مؤخَّرًا؛ فبترتيب الكلماتِ بعيدًا عن الهندسةِ الشعرية يكون: أنَّ دينًا للثعلب؛ وهكذا لم يُدقِّقْ شاعرُنا؛ فوقع في فخِّ الإعرابِ الخطأ في بطاقةِ هُويةِ القصيدةِ؛ أو العنوان تلك التي مُهمَّتُها التعريفُ بالنَّصِّ وجَذْبُ القارئ للولوجِ والسياحةِ وسَبْرِ أغوارِ المعاني الحِسان!
*ننتقِلُ للأبيات فنجدُ أن أخطاء النحوِ والوزنِ قد تكررت بشكلٍ واضحٍ؛ وبعضُها كان حِرصًا على القافية...
فلنُتابعْ معًا:
(1)نبدأ بالعنوان مع الإبقاء على خطأ النحو أو تصحيحه: أنا للعشقِ دينا أو دينٌ.. (مفاعيلُ/فعولُن)..لا أثرَ لتفعيلاتِ الرمل؛ ولو أبقى على الفاءِ كما جاءت في نهاية الأبيات(فأنا) لانضبط الوزنُ (فَعِلاتُن/فاعِلاتُن)
سيقولُ قائلٌ: وهل من الضروريّ أن يكونَ العنوانُ موزونًا؟ وأقولُ: لا؛ ولكنه يُستَحبُّ للإفصاحِ عن بحرِ القصيدة والحفاظِ على جاذبيتِها الموسيقية فالعنوانُ المُمَوْسَقُ يُنبئُ عن ضالَّةِ الباحثينَ عن الشعرِ الموزون. ويبقى واجِبًا ضبطُ وزنِهِ إذا كان اقتباسًا حَرفيًّا من النَّصّ.
(2)هل تَوسَّدتَ الرمالَ ** تبكي شوقًا وحنينا..
الشطرُ الأول مُنضبِط؛ ولكن إشباع كاف (تبكي) كسَرَ الوزن
وينصلِحُ إذا قُلْنا: تفرِشُ الرملَ حنينا.. فيكون على هيئةِ:
فَاعِلاتُن/فاعِلاتُ ** فَعِلاتُنْ/ فَعِلاتُن..
(3)هل جِراحُكَ مِنْ جرا**حي أمْ فؤادُكَ لا يلينا؟ (البيتُ كما قسَّمَهُ الشاعر) وتفعيلاتُه تُقرَأُ: فاعلاتُ/ مُتَفْعِلُنْ**مُستفعِلُنْ/ فَعِلُنْ/ فَعولُنْ ! وبهذا؛ وباستثناءِ التفعيلةِ الأولى فقد خرجَ عن الرملِ خروجًا بيِّنًا! كما أنَّ (يلينا): خطأ نحو؛ فالفعلُ حقُّهُ الرفعُ: لا يلينُ.. ولكنها القافيةُ التي تُحيِّرُ الجميع وتَخطِفُ انتباههم.. ينصلِحُ الوزنُ إذا قُلنا: هل تُعاني ما أُعاني ** أمْ تُزيدُ الشَّامِتينا؟
(فاعِلاتُن/ فاعِلاتُن) ** (فاعِلاتُن/ فاعِلاتُن)
قد عشِقتُ الأرضَ مثلَك**في كَرايَ واليقينا (4)
مِثلَكْ: بتسكين الكاف تضبِطُ الوزن، ولكنه تسكينٌ مُتَعَمَّدٌ غيرُ مُبَرَّر (قَسريّ)
إذًن: نحتاجُ كلمةً آخرُها ساكنٌ إعرابًا وليس قهرًا
فليكنِ الشَّطرُ: قد عشِقتُ الأرضَ أرضي**
كلمةُ اليقين حقُّها الجرُّ بالعطف على كرايَ المجرورة بــ في
ولُغويًّا: الكرَى: عكسُهُ الصّحو ... بينما الشكُّ: عكسُهُ اليقين
فلا يصِحُّ لُغةً أن نقولَ: في كَرايَ واليقين ولكن الأضداد هي: الصحو والكرى، الشكّ واليقين
وينصلِحُ الشطرُ إذا قُلنا: في الكَرَى والصحوِ طِينا (فاعِلاتُن/ فاعِلاتُن)
(5) مِن خيوطي قد نسجتُ** ثوبَ عِزٍّ لا (يبينا): الفعلُ حقُّه الرفعُ ولكنهُ نُصِبَ عَنْوَةً ليوافِقَ القافية
وينصلِحُ إذا قُلنا: ثوبَ عِزٍّ يحتوينا/يجتبينا (على سبيلِ المِثال طبعًا)
(6) المُنى فيها هامتْ** حتى أحلامُ اليقينا: واضحٌ جدًّا الكسرُ في الشطرِ الأولِ
وينصلِحُ هكذا: المُنى في القلبِ هامتْ(فاعِلاتُن/ فاعِلاتُن)
حتى أحلامُ اليقينا: مَكسور أيضًا واليقين حقُّها الجر/ مُضاف إليه
وينصلحُ الوزنُ والنحو هكذا: وغَدَا الحُلْمُ سَفينا (فَعِلاتُن/ فَعِلاتُن)
(7) والرُّبَى معنا تُغنّي** ويُغنّي العائدونا: كسرٌ في الشطرِ الأول ينصلِحُ هكذا
والرُّبى أضحتْ تُغنِّي (فاعِلاتُن/ فاعِلاتُن)
(
لَحنَ أشواقٍ تَجَلَّتْ**في فؤادي والعيونا:
العيون: حقُّها الجر بالعطف على مجرور بــ في
وأقترحُ أن يكون الأخير: مَلأتْ قلبي سِنينا(فَعِلاتُن/ فاعِلاتُن)
(9) قد وقفتُ لها حارس**كي أصُدَّ المُعتدينا
حارس حقُّها النصب/ حارسًا والتسكينُ عَنوةً في نهايةِ الصدرِ لا يجوز..
وهو مُختلُّ الوزنِ أيضًا؛ وينصلِحُ هكذا: قد نَذَرْتُ العُمرَ سدًّا (فاعِلاتُن/ فاعِلاتُن)
(10) مَعْ دمائي قد سَكَبتُ**عزمَ قلبٍ لا يلينا
صحةُ الفعلِ: يلينُ ولا يجوز نصبُهُ خطأً من أجل القافية
فليكنِ الشطرُ: عزمَ قلبِ الصَّابرينا (فاعِلاتُن/ فاعِلاتُن) .. ولا بُدَّ من تسكين (معْ)لأجلِ الوزن
(11) في ثراها حتى أينعْ**كامِنُ الحُبِّ جُنونا:
لا لتسكينِ (أينعْ) عَنوةً فهو: أينعَ/ والوزنُ مكسور عند(حتى)
وينصلِحُ هكذا: في ثراها التِّبْرِ أضحى (فاعِلاتُن/ فاعِلاتُن)
(12) لا تَقُلْ لي أنتَ عاشقْ: وهُنا أيضًا: التسكينَ عَنوةً لا يجوز (ليّ ذراعِ النحو)
والشطر الثاني ومنهُ اشْتُقَّ العنوان: فأنا للعِشقِ دينا .. سبقتِ الإشارةُ إليه
وينضبِطُ وزنُ البيتِ كلِّهِ وإعرابُهُ إذا صبَبْنا الحديثَ على القُدسِ هكذا:
لا تَقُلْ أمسَتْ غرامًا** بَلْ غَدَتْ للعِشْقِ دينا
(فاعِلاتُن/ فاعِلاتُن)** (فاعِلاتُن/ فاعِلاتُن)
وهكذا يتعيَّنُ الرجوعُ إلى العنوان لتغييره ليكون: بَلْ غَدَتْ للعِشْقِ دينا
*كلُّ ما قلتُ إن الوزن والنحوَ ينصلِحانِ به هو على سبيلِ المِثال وللشاعرِ أن يأخذَ به أو يتركَهُ
ويستخدمَ مفرداتِهِ التي تضبِطُ كليهما
وأعتذرُ عن مُداخلتي لنقدِ إبداعِهِ فلذةِ كبِدِه؛ وأدري كم هي غاليةٌ علينا إبداعاتُنا
ولكنهُ حقُّ اللغة وحقُّ الأدب ولا أحدَ فوق النقدِ كما يقولُ النُّقادُ دائمًا وأبدًا ..
ومرحبًا بالرأي الآخر لإثراءِ الدراسةِ والحِوار