قِراءةٌ في قصيدة: معزوفة الشوق
للشاعرِ اليمنيّ: إبراهيم محمد القاضي
قرأتها الشاعرة: ثريا نبوي
على هوامشِ هذا العزفِ الوطنيِّ الشيِّقِ للمحبوبةِ صنعاءَ؛ على أوتارٍ تُطيِّرُ نغماتِ الحُبِّ والحنينِ في البُعدِ عنها، والفَخارِ والخوفِ عليها مما تُعاني، أو يخشى أنْ تُعاني مِن ويلاتِ حربٍ تُثقِلُ القلبَ..
وفي رِحابِ الجمالِ ومِحرابِهِ؛ رأيتُ أن أكتُبَ وأعترِفَ بأنني لم أستطع كَبحَ جماحِ يراعتي..
فَمَن الذي يقرأ هذه الكلماتِ المُمَوسَقةَ المكتوبةَ بِمدادٍ مِنْ لُجَينٍ ونرجسٍ؛ ويلزمُ الصمتَ:
خَوفِي عَلَی الحُسنِ إنْ طَافَت مُعذِّبةً//إنَّ الحَرَائبَ لا.. تُبقِي.. ولا .. تَـــذرُ!!!
لَقد أغرقتني هذه المعزوفةُ- حقًّا وصِدقًا وبِلا مُجاملةٍ - في بحارِ الدهشةِ؛ رغم كل ما كتبتُهُ بِمِدادِ النقدِ استكمالًا لروعااااااتِها الخُرافية.. ودَوزنةً مُتواضِعةً لأوتارِ قيثارِها.
هي قصيدةُ عموديةٌ تسبحُ في بحرِ البسيط؛ وقد أعدْتُ تنسيقَ أبياتِها؛ حتى لا يُظنَّ أنها شِعرُ
تفعيلة؛ وقد وُفِّقَ الشاعرُ في اختيارِ عُنوانِها الذي عزفَ تحتَ عريشتِه: بوطنيةٍ هادِرة، وشاعريةٍ آسِرة؛ جعلتني أعشقُ جمالَ صنعاءَ وخُضْرَ روابيها؛ وأبكي غِيابَ السلامِ عن رُبوعِها؛ وغُربةً خانِقةً لكلِّ مَن عانى البُعدَ عنها مِن أبنائِها.. وكم أحتاجُ مِن وقتٍ ويراعٍ وورقٍ ومِدادٍ مِن رحيقِ الأزهار؛ِ لكي أكتُبَ عن روعااااتِ المعاني والبلاغةِ والتِّلقائيةِ والشجنِ المُوشِّحِ أبياتَها.. غيرَ أنني أكتفي بالبُكاءِ معه هنا: حُبًّا لِصنعاءَ الحضارةِ والعراقةِ والمجدِ الأثيل؛ وعجزًا عن وصفِ المُعاناةِ بعد كل الذي قالَهُ وأبدعَه:
(صَنعَاءُ ماذا سأحكي إنني تعِبُ)
وليسَ بعدَ قولِهِ فيها قولٌ ولا بعدَ نزفِهِ نزف!!!
لعلَّ هذه المُلاحظاتِ النقدية تُثري تجرِبَةَ شاعرِنا اليمنيّ الشابّ ورِفاقِه في رابطة(اليمن يكتُب)
وكم يستحقُّ التوجيهَ والعِناية؛ وكم أتمنى لهُ التوفيقَ في كل حرفٍ يكتُبُه؛
فهو شاعِرٌ مَطبوعٌ وأكثرُ مِن رائع..
مع هذا الفيضِ من المشاعرِ الدَّفَّاقةِ يحضُرُني شاعرانِ كبيرانِ كان غرامُهما الوطنيُّ نموذجًا يُحتذى وتراتيلَ عِشقٍ وطنيٍّ بِلا مثيل..
الأول: نِزار قبّاني؛ ويكفي ما قالَهُ هُنا:
لقـدْ كَتَبْنـا .. وأرسَـلْنـا المَرَاسـيلا**وقـدْ بَـكَيْنـا .. وبَلَّلْنـا المَـنـاديلا
قُـل للّذيـنَ بأرضِ الشّـامِ قد نزلـوا**قتيلُكُـم لمْ يَـزَلْ بالعشـقِ مـقتـولا
يا شـامُ، يا شـامَةَ الدُّنيا، ووَردَتَها**يا مَـنْ بحُسـنِكِ أوجعـتِ الأزاميلا
ودِدْتُ لو زَرَعُـوني فيـكِ مِئـذَنَـةً**أو علَّقـونـي على الأبـوابِ قِنديـلا
يا بلْدَةَ السَّـبْعَةِ الأنهـارِ .. يا بَلَـدي**ويا قميصاً بزهـرِ الخـوخِ مشـغولا
ويـا حِصـاناً تَخلَّـى عَـن أعِنَّتِـهِ**وراحَ يفـتـحُ معلـوماً ومـجهـولا
هـواكَ يا بَـرَدَى كالسَّـيْفِ يسكُنُني**ومـا مَلكْـتُ لأمـرِ الحـبِّ تَبديـلا
يا مَنْ على ورقِ الصّفصَافِ يكتِبُني**شعراً؛ وينقشُني في الأرضِ أيلولا
يا مَنْ يعيدُ كراريسي .. ومَدرَسَـتي**والقمحَ، واللّوزَ، والزُّرقَ المواويلا
يا شـامُ إنْ كنتُ أُخفـي ما أُكابِـدُهُ**فأجمَـلُ الحبِّ حـبٌّ ـ بعدُ ما قيلا
الثاني: غازي القُصيبي؛ ومِن روائعِهِ أذكُرُ هذه الأبيات:
ماذا أقولُ؟ وَدِدتُ البحرَ قافيتي**والغيمَ محبرتي.. والأفقَ أشعاري
إنْ ساءلوكِ فقولي: كان يعشقني**بكلِّ ما فيهِ من عُنفٍ.. وإصرار
وكان يأوي إلى قلبي.. ويسكنه**وكان يحمل في أضـــلاعهِ داري
وإنْ مضيتُ؛ فقولي: لم يكنْ بَطَلاً**لكنه ... لم يُقبِّل جبهةَ العــــارِ
__________
وإلى بعضِ المُلاحظاتِ المُتواضِعةِ؛ لعلّي لا أُثقِلُ عليكم:
♡معزوفة الشوق♡
مَعزُوفَةُ الشَوقِ في الأقْلامِ تعتَصِرُ
وكَم ( تَرَاقَصَ ) من أفنَانِها الكَــدَرُ
(تَقاطَرَ)
{ إذا قُلْنا: تعتصِرُ؛ كان من الأفضلِ والأكثرِ تناغُمًا قولُ: تقاطرَ }
{كما أن الفعلَ: تراقصَ؛ يُناسِبُهُ حرفُ الجرِّ: على؛ ومعه يختلُّ الوزن}
.
أُصَارِعُ الموجَ؛ موجَ البُعدِ أصرعهُ؛
دهراً.. ولكنْ؛ سيبقی للهوی نظرُ
.
دَعِ السماءَ تُناغِي في الهوی نسمًا
تُناغي: جواب طلب ربما كان حقُّهُ الجزم بحذفِ حرفِ العِلّة: تُناغِ؛
فإنْ فعلنا؛ اختلّ الوزن وأقترِح:
دَعِ السماءَ (تُرطِّبْ ) في الهوَی نسمًا
فالشوقُ يذبلُ إن لم يسقهِ المطَرُ
.
دَعِ النجُومَ علی أشكَالِها سُدماً
فمَا تجَمّـل منها غـَيرُه القَمَرُ
لُغةٌ يُقالُ لها: أكلوني البراغيث؛ ويُقال إنها لا يُستَحبُّ استعمالُها في الأدبِ عُمومًا وفي الشِّعرِ خُصوصًا؛
فالضمير في(غيرُه) فاعِل..ثُمَّ تكرَّرَ الفاعِل وهو(القمرُ) وهذا هو مَضمون اللغةِ غيرِ المُستَحبّة
كما أنّ: تجمَّلَ.. تُوحي بغيابِ الجمال الذي تدارَكَهُ القمرُ بالتَّجَمُّل/ مُجرَّد رؤية
وأقتَرِحُ في إطارِ المعنى المُراد: ( حازَ الجمالَ ضِياءً؛ وَحدَهُ القَمَرُ
.
وهَل أتَاكَ حَديثُ الحُبِّ حين سَری
مزمَّلاً بوشَاحِ الشَوقِ يُحتَضرُ؟!!
التَّناصُّ الجميلُ المُوفَّقُ كلَّ التوفيق مع النصوصِ القُرآنية المُبتَدَأةِ بــ
هل أتاكَ حديثُ: الغاشية/ ضيفِ إبراهيمَ....
.
ذَاكَ النَديمُ الذي مَا زالَ مبتسمًا
أنِي (إنِّي) أری قَلبَه بالشَوقِ يَنصَهرُ
.
حتی أنا؛ قد بقيتُ الدهـرَ مُبتَسِمَاً!!
وكَمْ من النّاسِ في أفعاليَ ادّكَرُوا
.
فما الطيورُ التي غَنّت بمُفرِحتي
وما الليالي إذا ما ملّنا السهَرُ؟!
.
نَقَشتُ حرفيَ في صحراءِ أخيلتي
فأصبَحَ الرملُ من بعدي له شجرُ!
.
وكَم عزَفنَا علی (أنغامِ) مُغتَرِبٍ
(قِيثارِ)
{نعزِفُ على آلةٍ أو أوتارٍ وليس على الأنغام}
حتی تَفَتتَ من أحزانه الحجرُ
.
ومَـا رَأونِي حتّی صِـرتُ مبتدَأً
وصَار خَلفيَ كلّ الناسِ لي، خَبَرُ...
{{موزونٌ ولكنّ الصياغة قَلِقةٌ إلى حدٍّ ما؛ أتصورُ أن ترتيبَها كالتالي يكونُ أكثرَ منطقيةً:
(وصارَ في الخَلْفِ؛ كلُّ الناسِ لي خَبَرُ ) والوزنُ سليمٌ معها أيضًا
مُتَفْعِلُنْ فاَعِلُن..مُسْتَفْعِلُنْ فَعِلُنْ}}
.
صَنعَاءُ ماذا سَأحكي عنكِ في سفري
لا يصدُقُ القَولُ إنْ لم يصدُقِ النظَرُ
.
أنَا ابنُ تلكَ الرَّوَابي الخُضرِ راعيها
أنا اليَقينُ الذي فِي الكَونِ ينتشرُ
.
أنَا الرَغِيفُ الذي قَد جَاءكُم أمَلاً
وحجّ نحو سُراهُ النَاسُ واعتَمَروا
.
لِمَ الهُرُوبُ؟ وشِعري شَتلَةٌ غُرِسَتْ
في الروحِ حتّی يلينَ الشَوقُ إن حُشروا
.
قدّ السِــلاحُ ثيَـــابَ السِّلمِ منتقماً
وذا الوجودُ , لعَمْري, كلّه خطَرُ
.
أحَاطتِ الحَربُ أسوارَ المَدينة؛ هَا
قلبُ المَدينة من شرٍّ؛ بهِ كَدرُ
.
خَوفِي عَلَی الحُسنِ؛ إن طَافَت مُعذِّبةً
إن الحَرَائبَ لا تُبقِي ولا تَـــذرُ!!!
.
نَشتاقُ بَــردَكِ يَــا صَنعاءُ؛ إنّ لنا
قَلبَــاً من الحبِّ بالإيمَان يتّـزِرُ
.
تلكَ المَدينةُ لُغزُ الحُبِّ عَاصفةً(عاصفةٌ)/خبر
فمَا استَطاعوا لَهَا دفعاً ولا حَزَروا
.
صَنعَاءُ ماذا سأحكي إنني تعِبُ
والليل (ينفذُ) لا حرفٌ ولا بَصَرُ!!
( والليلُ يَنْفَدُ )
[قُلْ لو كان البحرُ مِدادًا لكلماتِ ربّي(لَنَفِدَ) البحرُ قبلَ أن (تنفَدَ) كلماتُ ربي ولو جِئنا بِمثلِهِ مَدَدَا]
نَفِدَ البحرُ: صار بلا ماء أو نَضُبَ ماؤه.. ونقولُ: نَفِدَ المخزون/ بالدال /أي نَضُبَ أو صار رصيدُه صِفرًا...والليلُ يَنْفَدُ: بفتحِ الفاء؛ أي ينتهي ويطلُعُ النهار
أما نَفَذَ بالذال؛ فمعناها اخترق... نقولُ: نَفَذَ السَّهمُ .. ولا نقولُ نَفَذَ الصبرُ
.
كأنّني من حنيني صرتُّ قَافيةً
يسري بنغْمتِها الشُعَرا ويبتكروا (إذا ابتَكَروا)
المفروض أنها: ويبتكِرونَ؛ ولكنّ القافيةَ سَرَقَت انتباهَ الشاعرِ المُبدِع
.
هَذي الحُروفُ إلی العَشّاقِ
قادمةً { لِمَ نُصِبَتْ وحقُّها الرفعُ: قادمةٌ/ خبر}
مِن السَّنا.. زُمرٌ (زُمَرًا) فِي إثرها زمرُ
{ وتبقى: زمرٌ الأولى حقُّها النصبُ: تمييز/ زُمَرًا في إثْرِها زُمَرُ/ والأخيرةُ مرفوعةً: مُبتدأ مؤخَّر}
.
لا المَوتُ يُوقِفُها فِي شِرعتي أبداً
ولا الحَيَاةُ ولو قَد ملّها الحَذرُ
.
فَــلا تَظنّنَّ أنّ الأرضَ سيّــدةٌ
إنّ السَــماء بِرغمِ الكُبـرِ تَأتَمِرُ!!
التَّنَاصُّ الضِّمنيّ مع الآيةِ التي أُمِرتْ فيها السماءُ والأرضُ:
(ائتِيا طوعًا أوْ كَرهًا قالتَا أتينَا طائعينْ)
.
صَنعَاءُ يا قِبلة السَاري ومقدسـَــهُ
منْ مثلُ حُسنكِ حتّی النّاسُ يفتخروا